• ١٩ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٢ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وما الحب إلا للوطن

نايف جفال

وما الحب إلا للوطن

قد يصعب عليك إيجاد نصفك الآخر المفعم بالحنان والطيبة والجمال لكي تسعد بالحياة الأنيقة الهادئة ، وحتى أن وجدته فمن الممكن أن تذبل تلك المشاعر والأحاسيس التي بنيت بينكما وتصبح روتيناً مملاً تطغى عليها هموم الحياة ومشاغلها، أو تواجهك خيانة متطرفة تفقدك كل معاني جمالية الحياة، وقليل جدا من يحافظ على رونق عواطفه مع من يحب، ويبقى طوال الدهر مستمتعا بعشقه، إلا عشق أوحد تمضي حياتك بقربه بلا خيانة أو ألم موجع، هو عشق الوطن، وطنً تمثل عشقه في ملامح شعبه، يرونه حورية من جنات الخلد سقطت سهوا على ارض البشر، فهكذا هي فلسطين، يتجرع شعبها الألم والجوع ويحيا فوق أرضها فاقداً لإبسط مقومات العيش بسلامة وأمان بفعل إجرام الاحتلال، فرغم المشاق والمتاعب تزداد فلسطين بريقاً بعيون أبنائها، ويتجذرعشقها بتراكم تضحيات شعبها رغم الهموم والمتاعب التي يلقونها في معيشتهم على أرضها دون تذمر.

فالكل الفلسطيني وبكل فخر تربطه قصص البطولة والعزة والتضحية مع تراب أرضه فلسطين، فقد لا تخلو عائلة من تقديم شهيد أو جريح أو أسير ، وبدلا من النواح والبكاء تبقى الفرحة الدامعة بعيون الأمهات والإباء والأبناء كشعاع نصرًً وفخر معلق على رؤوسهم ينظر الى يوم التحرير، وهذا يتضح من الجبروت الذي يبديه الشعب الفلسطيني بالتفافه حول المقاومة الفلسطينية والنضال المتشعب في كافة الميادين، فلا يخفى على احد أن احتضان المقاومة من قبل الشعب، من جعلها تحقق انجازات على ارض الواقع بدأ من إجبار العدو الصهيوني بالبحث عن مخارج تفاوضيه تبعده عن لقاء الشعب الفلسطيني بساحات النضال ، مرورا بالانسحاب من ارض غزة ، وتوقيع العديد من صفقات التبادل الإجبارية مع المقاومة الفلسطينية والتي تجسد أخرها بصفقة الوفاء للأحرار، وحتى التعاطف العالمي الذي جعل العديد من الدول تعترف بدولة فلسطين قبل أن تنصفها الأمم المتحدة وتعترف بوجودها كشخصية دولية لها قيمتها واعتبارها بين الدول، فلولا صمود وصبر وقناعة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده بعدالة قضيته وعشقه لفلسطين لما وصلت هذه الانجازات لمكانها وما كان لنا ما نتغنى به في أيامنا هذه، ومن هذا المنطلق يتوجب علينا البحث عن مكملات مسيرة الشعب الفلسطيني لكي يكمل نضاله ويبقيه فخورا بوطنه ومستعدا للتضحية من اجله بطيب خاطر ومعنوية مرتفعة، وخير ما نستهل فيه الانقسام الدامي الذي افقد الشعب بوصلته الحيوية بالإشارة للأهداف الوطنية، وأبقاه رهينة للمزاودات العلنية من قبل العالم بأنه شعب غير منظم ولا ينصاع إلا لرغباته وشهواته الذاتية المتفرقة، فما يلزمنا أولا نبذ الفرقة وطي صفحة الانقسام والعودة لوحدة الشعب الفلسطيني التي تتمثل بوحدة الدم والمصير والقرار، وإحياء الحياة الديمقراطية للمجتمع الفلسطيني من جديد بعد الشلل الذي أصابها بفعل الانقسام وذلك من خلال التوافق على مواعيد لعقد الانتخابات الحرة والنزيهة لكافة هيئات ومؤسسات الشعب الفلسطيني، وضرورة إعادة النظر بكافة الالتزامات المتفق عليها مع الاحتلال الإسرائيلي وإخضاعها من جديد للمصالح الوطنية والمستجدات التي طرأت على المجتمع الفلسطيني، وضرورة ترشيد عمل مؤسسات "الأن جي أوز" في الأراضي الفلسطينية، والبحث والتفتيش والتأكد من رسالتها وخط سيرها، فكثير من تلك المتاجر تعمل على تفريغ الشارع الفلسطيني من محتواه النضالي، وتعمل على بث السموم والمكائد في ثناياه من خلال استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة والانقضاض على الفريسة السهلة المتمثلة بالشباب العاطل عن العمل، إن كان من فئة الجامعيين أو حتى العمال، لكي تسهل عملها وتصل لرسالتها من خلال الشباب. وبسبب وجود العديد من الثغرات التي تمكن الاحتلال الإسرائيلي والمنتفعين من ضياع الحق الفلسطيني من التلاعب بمصير الكثير من أبناء شعبنا يتوجب علينا وضع آليات عمل مجدية تستوعب القطاعات الواسعة من العاطلين عن العمل من كل الفئات وفي مختلف المحافظات دون تميز حزبي أو ديني، يترافق مع ذلك الإسراع في تطبيق قانون العمل الفلسطيني وتحديثه بما يتلائم مع احتياجات السوق الفلسطينية، وإقرار الحد الأدنى للأجور وملائمتها مع غلاء المعيشة الفاحش لكي يتسنى للمواطن العادي العيش بكرامة وعدم إبقائه مرهونا للديون البنكية أو السلف الشهرية، والأخذ بعين الاعتبار التركيبة السكانية للشعب الفلسطيني ومراعاة نسبة الشباب المتعلم فيها مما يؤكد على ضرورة إقرار قانون الصندوق الوطني للتعليم العالي، وتوفير المنح الدراسية في الخارج للطلبة المحتاجين بحسب القرعة النزيهة والامتحان، دون الالتفات للمعايير الجهوية أو الحزبية التي تسيطر عليها المحسوبية العادمة، والعمل على تطويق ظاهرة الهجرة التي يلوذ لها الشباب الفلسطيني بفعل انعدام فرص العمل وصعوبة تأمين المقومات الرئيسية التي تجعلهم مؤهلين للعيش بكرامة وتحقيق الذات لخدمة جموع ابناء شعبهم. ففلسطين تعشق رغم الكم الهائل من الضغوطات والمصائب التي تحاك من العديد من الأطراف التي لا يعنيها العيش بحرية وسلام لأبناء فلسطين على أرضهم، فكثيرة هي المتاعب التي تلقى على كاهل المواطن الفلسطيني، إلا أن كل هذه الهموم والمشاق لا تؤثر قيد أنملة ولا تترابط بعشقه لفلسطين، كأن فلسطين هي حلم وردي لا يعكر صفوه أي كابوس ولا يرتبط بالواقع المزري بفعل إجرام الاحتلال، وهذا ما تثبته الأجيال المتعاقبة لشعب فلسطين فما زال هناك متسع للنضال عند الغالبية الفلسطينية، وما زال الأمل بعيون أطفالها وشيوخها ونسائها وشبابها بان غدا سيكون أجمل، ولكي يبقى العنوان فلسطين ونبقي عشقها العنوان الأبرز، لنا احترام الشعب وتكريم صبره وعنفوانه وعشقه لبلده، وذلك لا ينتج إلا من خلال حكم ديمقراطي، وعدالة اجتماعية ومساواة، وحريات ديمقراطية تستوعب الرأي والرأي الأخر تتوافق والعطاء المتدفق من شعب فلسطين، ففلسطين حلمنا وأملنا وعشقنا الذي لم تشهد له البشرية مثيل لذا وجب علينا تثبيت ركائزه لكي ننعم بالأمن والاستقرار ونبقي عشقنا لفلسطين الأول دون منازع، ونقصر من عمر الاحتلال لكي نلهو سعداء في وطننا، كما هو مرسوم في مخيلتنا كصورة مثالية في دروب العقل الباطنية تعجز الظروف عن تشويهها رغم مرارة العيش.

ارسال التعليق

Top